غياب السعودية والإمارات عن القمة التي عقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شرم الشيخ لتدشين خطته للسلام في غزة، كشف هشاشة المشروع الذي يصفه بـ"التاريخي". فبينما أعلن ترامب نهاية ثلاثة آلاف عام من الصراع في الشرق الأوسط، غاب عن المنصة اللاعبون الذين يملكون مفاتيح التمويل والتأثير الحقيقي على الأرض.

وفق تقرير ذي إنكويرر الذي كتبته ترودي روبين، لم يحضر القمة كلٌّ من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، رغم أنهما محور إعادة إعمار غزة، كما تغيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يصر على أنّ الحرب لم تنته بعد. أرسل القادة الثلاثة ممثلين عنهم فقط، بينما جلس الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاعة من دون أن يُدع إلى المنصة، واكتفى ترامب بذكر الملك الأردني عبد الله الثاني بإيجاز رغم دوره الحيوي في مستقبل الضفة الغربية.

القمة، التي وصفتها الصحيفة بأنها أقرب إلى عرض شخصي، ركزت على تمجيد ترامب لا على بناء عملية سلام حقيقية. فقد أعلن في خطابه: "أنا الوحيد الذي يهمّ"، بينما خلا البيان الختامي، الذي حمل اسم "إعلان ترامب من أجل السلام والازدهار الدائم", من أي تفاصيل عملية أو التزامات واضحة.

تُشير روبين إلى أن الإنجاز الحقيقي الوحيد لترامب هو نجاحه في إقناع نتنياهو بقبول وقف إطلاق النار مقابل إطلاق 20 رهينة إسرائيلية وبدء إدخال المساعدات الإنسانية. لكن غياب القادة العرب البارزين يعكس أزمة أعمق في الخطة الأمريكية. فالسعودية والإمارات لم تقبلا بعد النسخة المعدّلة من الخطة التي تقلصت من 21 بندًا إلى 20 بعد تدخل إسرائيلي غيّر مضمونها، وحذف منها أي مسار واضح نحو الدولة الفلسطينية.

كان من المفترض أن تتولى الدول الخليجية قيادة قوة عربية مؤقتة تشرف على الأمن في غزة وتدفع تكاليف إعادة الإعمار، على أن تنتقل السلطة تدريجيًا إلى سلطة فلسطينية مُصلحة. غير أنّ الخطة النهائية أبقت مستقبل غزة غامضًا، وطرحت فكرة "مجلس سلام" دولي برئاسة ترامب، تدير من خلاله مجموعة من "التكنوقراط الفلسطينيين" شؤون القطاع، من دون أن تحدد من يختارهم أو كيف سيكتسبون شرعية شعبية.

تستحضر روبين تجربتها كصحفية في القدس خلال الثمانينيات حين حاولت إسرائيل إنشاء "روابط القرى" في الضفة الغربية لتقويض القيادات المنتخبة، وهو مشروع فشل بسبب رفض الفلسطينيين له. وتحذر من أن تكرار الفكرة ذاتها في غزة سيقود إلى النتيجة نفسها، إذ لا يمكن لأي هيكل سياسي أن ينجح ما لم يشارك فيه المجتمع المدني الفلسطيني بصدق.

ترى الكاتبة أن السعودية والإمارات تعلمان هذه الحقيقة جيدًا، ولهذا ترفضان تمويل مشاريع ستنهار مع أول تصعيد جديد. كما ترفضان أن تُستخدما لتجميل مشروع يكرّس الاحتلال الدائم، أو أن تُدفَع لتوسيع "اتفاقيات أبراهام" نحو اعتراف سعودي بإسرائيل من دون ضمانات حقيقية لحقوق الفلسطينيين. فحتى لو لم يكن قادة الخليج متحمسين لفكرة الدولة الفلسطينية، فإنهم لا يريدون أن يظهروا كمن يمهّد لطرد الفلسطينيين من أرضهم.

وتضيف روبين أن الخطة التي صاغها فريق ترامب المكوّن من صهره جاريد كوشنر ورجل الأعمال ستيف ويتكوف، تُعيد إحياء أحلام "منتجع غزة ريفييرا" ومشاريع الاستثمار العقاري التي رُوّج لها سابقًا، وكأن الصراع السياسي يمكن حله بالصفقات التجارية. وتشير إلى أنّ كوشنر يسعى لإعادة طرح خطته القديمة "من السلام إلى الازدهار" التي فشلت عام 2020، لكنها تظلّ حلمًا بعيدًا لأنها تقوم على فرضية خاطئة: قبول العرب باحتلال دائم.

تختتم روبين بالقول إنّ ترامب حقق لحظة إنسانية نادرة حين أوقف الحرب وأعاد الأسرى، لكنه يخطئ حين يظن أنه يستطيع بمفرده فرض سلام دائم في الشرق الأوسط. فبدون إشراك الفلسطينيين بجدية، وبدون تعاون حقيقي من الرياض وأبوظبي وأنقرة والدوحة، ستبقى خطته مجرّد إعلان بلا مضمون — مشروع بلا شركاء، وسلام بلا أرض.

https://www.inquirer.com/opinion/trump-peace-gaza-israel-saudi-arabia-uae-palestinians-20251015.html